أول رد فعل لي على التعديلات الدستورية كان: يا إلهى إنهم يعيدون اختراع العجلة، فلا يتعلم أحد شيئا على الإطلاق، كأنها صخرة سيزيف يعيدونها إلى أعلى الجبل مرة أخرى فى جدلية حمقاء لا تنتهى.
ها هو إعلان مرسى الدستوري يقفز إلى الذاكرة مفسرا سبب رحيله وانقلاب الشعب عليه.. فلم تقم الثورة لتحل الديكتاتورية الدينية محل ديكاتورية مبارك الفاسد الذى برك على أنفاسنا 30 عاما بعد تعديل مدد الرئاسة التى طمع فيها السادات، ولكنه لم يستفد بها، بينما نعم بها من شاخ بسلطته على كرسى الحكم حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن، ولو كان استمع لدعوات الإصلاح من الداخل لما أدخل البلاد إلى ذلك النفق المسدود، الذى لا نجد بابا للخروج منه حتى الآن!
إذن كان التعدي على الدستور هو كعب أخيل الذى سرع برحيله ورحيل من قبله ومن قبل قبله، كأنها لعنة فرعونية أو دستورية تطول الجميع، ومع ذلك لم يتعلم أحد، والجميع قالوها بتنويعات مختلفة، أنها تحدث دائما للآخرين الغافلين عن تعلم دروس سابقيهم.. ولكننا سنفلت بتعديلاتنا، ولكن الحتمية التاريخية كان لها القول الفصل.. دائما!
ها هو التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى.. نفس جوقة النفاق والمطبلين تعيد دعوات التغيير الذى لايلبى طموحات ومطالب الشعب. بل وصل التجرؤ منتهاه بمناطحة نصوص الدستور، الذى يمنع الاعتداء عليه، ولا يعد التغيير مقبولا إلا لمزيد من الضمانات لسهولة وتيسير الانتقال الآمن للسلطة، أو يمزيد من الضمانات الأخري، لكن حملة مباخر كل سلطان تشجعه وتدعمه في الخروج عن حدود سلطاته وتكون أول من ينقلب عليه، عندما يحدث الانفجار العظيم الذى نحذر منه جميعا، فإن حدث فقل على الجميع السلام!
هل يتعلم أحد من دروس الماضى القريب أو البعيد؟ ما يريدون حدوثه الآن ينكر هذا التعلم، ومن يتصور أن القوة المفرطة وغرورها، قادرة على فرض واقع أبدي، واهمون.. والتاريخ يذكرنا أنه دائما ما تنتصر قوة الحق رغم ضعفها الظاهر، على قوة الظلم رغم جبروتها وتمكنها الواضح، طال الزمن أم قصر ويتعجبون من هزيمتهم ونسوا أنها النهاية الطبيعية لمن يتغول على حقوق الشعوب ويخل بالتوازن المطلوب بين السلطات، الذى لا تستقيم بدونه أدوات الحكم.
ولا ننسى أنه فى تلك المواجهات المصيرية، بين من يريد الاستقرار بعد سنوات من الاضطراب، ومن يعرض البلاد للفوضى تحقيقا لأهداف مجموعات المصالح، أن عنصر الوقت مفصلي، من يتحمل أكثر ومن يستسلم قبل الآخر، ومن ييأس ومن يغتر بقوته ويستهين، النهاية حتمية. كلاهما فقط يجتران الوقت ليس إلا!!
أمور الحكم واستقرار الدول لا يجب أن تترك للأهواء الشخصية، حتى لو كانت النيات سليمة والوطنية ليست محل شك، فالزمن تجاوز فكرة المستبد العادل المحبوب من الجماهير، والنتيجة كانت كارثية بكل المقاييس، فتأبيد الحكام على كراسيهم يعاند قانون التطور، والتغيير مطلوب لإدخال دماء جديدة لشرايين الحكم وإلا ما كانت تقدمت به الدول الأخرى، وسقطت الدول الديكاتورية فى مستنقع التخلف.
تفرض القوانين وتكتب الدساتير لاحترامها وحمايتها وتطبيقها، ولا يتم تغييرها أو التلاعب بها أو توظيفها طمعا، وإلا أصبحت مطية وألعوبة فى يد الحكام يفصلونها على حالهم، وتفقد الدساتير قيمتها وهيبتها و تصيب بلعنتها أصحابها.
لذلك لا أستبعد تفسيرات أصحاب نظرية المؤامرة، بأن التعديلات المفرطة فى استثنائيتها تهدف إلى إسقاط النظام ككل، أو الرئاسة على وجه الخصوص، خاصة فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة نالت الجميع بقسوتها وتنذر بانفجار شعبى نأبى تبعاته على البلاد.
فهل هناك صراع على السلطة لا نعرفه، يدور على قدم و ساق ولكنه خفي وتابع لأجهزة سيادية أو لدول معينة تريد إرجاع الزمن إلى الوراء، أيا من كان الذى يحكم، بالدفع بتلك التعديلات التى طالت كل المؤسسات وجعلتها تابعة للسلطة التنفيذية فى إخلال واضح بمبدأ الفصل بين السلطات؟
كل شيء جائز ومشروع فى الحب والحرب، وقبلها الضرورة السياسية وما رأيناه من ألاعيب جهنمية منذ الثورة، تجعلنا نقبل ونتوقع أي شيء!
فللسلطة زهوة لا يقاومها إلا الأنبياء، وللقوة وسلطاتها إغراء لا يقاومه إلا النبلاء وقطعا تجاوزت البشرية الأنبياء والنبلاء، ولم يبق إلا أصحاب المصالح وأصحاب الحقوقالنبيلة الفاقدين لكل أسباب القوة، للدفاع عن قضاياهم من دهاء مخترقى وسارقى الثورات والحقوق، ولم يبق أمامنا إلا السير وراء ما هو معروف من مسائل الحساب والمنطق.
فواحد زائد واحد يساوى اثنين، أو فى المنطق: نفس المقدمات تؤدى إلى نفس النتائج والنهايات، ومن ينكرها يسأل المخلوع والمعزول والمغدور!.
-------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني